يقول العلاّمة راتب النابلسي: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} كلمة {عمَّ} أساسها “عن” وهو حرف جر، و” ما” الاستفهامية، فإذا أضيفت ما الاستفهامية إلى حروف الجر حذفتْ ألفها، أمّا إذا أضيفت إلى ما المصدرية بقيتْ ألفها. لو أنّني سألتُ واحدًا متفوّقًا: بِمَ نلت هذا النّجاح المتفوِّق؟ يقول لي: بما بذلت من جهدٍ، فـ(ما) الأولى استفهامية، أمّا الثانية مصدرية، فإذا جاءت حروف الجر مع ما الاستفهامية حُذفتْ ألفها، هذه قاعدة؛ عمَّ، إلامَ، فيمَ. يقول اللّه عزَّ وجلّ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ}.
الإله العظيم إذا قال: إنّه نبأٌ عظيم، فهو حقًّا نبأ عظيم، لأنّ الّذي يصفه بالعظمة عظيم، ولو أنّ طفلاً قال لك: أنا معي مبلغ كبير، فكم تقدِّر هذا المبلغ؟ ولو أنّ رجلاً غنيًا قال لك: ثروتي كبيرة، فإنّك تقدِّر كلمة (كبيرة) بالنسبة للقائل، فالطّفل إذا قال لك: معي مبلغ كبير، فهو غير الإنسان التاجر الكبير، مليونير، فقال لك: ثروتي كبيرة، فحجم الكِبَر هنا يؤخذ بحسب القائل.
إذًا خيار الإيمان خيار وقت، إمّا أن تؤمن في الوقت المناسب فتنتفع بإيمانك، وإمّا أن تؤمن في الوقت غير المناسب فتشقى بإيمانك، أمّا الإيمان حاصل لا محالة.
وقوله تعالى {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} عند الموت.. {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} يوم البعث والنشور. الآن هذا اليوم يوم الفصل، هذا اليوم يوم الدّين، هذا اليوم يوم الجزاء، هذا اليوم يوم تسوية الحسابات، فما سبيل الإيمان به؟ هو إيمانٌ تحقيقي أم إيمانٌ تصديقي؟ هناك مَن يقول: أنّه إيمان تصديقي لأنّ اللّه أخبرنا أنّ هناك يومًا عظيمًا، يُحاسب فيه النّاس عن كلّ أفعالهم.