إنّ قصص الأنبياء عليهم السّلام تمثّل مراكز للتّأهيل للدّعوة إلى إظهار الحقّ وإبطال الباطل، كما أنّها تعدُّ مدارس للتّدريب على الصّبر من أجل إرشاد العباد إلى ما فيه صلاحهم في الدّنيا، وفلاحهم في الآخرة.
وقصّة نوح عليه السّلام في القرآن الكريم تأتي ضمن الإطار المشار إليه آنفًا، فهي تعدُّ منارة للدّعاة يستضيئون بهديها في طريق دعوتهم، كما تعدّ مدرسة للمجاهدين في سبيل إعلاء كلمة الحقّ وإزهاق الباطل. وهي قبل هذا وذاك تعتبر مثالاً يُحتذى للمضي قدمًا في طريق الثّبات على المبدأ، وتحمّل المشاق والصّعاب من أجل نشره بين النّاس.
وقد تكرّرت قصّة نوح عليه السّلام مع قومه في القرآن الكريم في سور عديدة، وبأساليب متنوعة، فجاءت في سورة هود أكثر تفصيلاً. وجاء الحديث عنها في سور الأعراف ويونس والمؤمنون والشّعراء والعنكبوت والصّافات والقمر بشيء من التّفصيل. وجاءت إشارة إليها في سور الأنبياء والفرقان والذّاريات. وثمّة سورة كاملة في القرآن سمّيت باسم سيّدنا نوح عليه السّلام، تحكي لنا ما دار بين نوح وقومه، وما قاله لقومه، وما ردّوا به عليه.
وحاصل قصّة سيّدنا نوح عليه السّلام مع قومه أنّه عليه السّلام أرسله اللّه إلى قوم كانوا يعبدون الأصنام، ويتّخذون لها أسماء ما أنزل اللّه بها من سلطان، فأخذ نوح عليه السّلام يدعو قومه بكلّ السُّبل التّرغيبية والتّرهيبية ليتركوا عبادة تلك الأوثان، ويعبدوا اللّه الواحد القهار.
وقد أخبرهم عليه السّلام أنّه لا يبتغي من وراء ذلك أيّ أجر، بل هو يبتغي الأجر من اللّه {وَمَا أَسْأَلُكُم عَلَيْهِ مِنْ أجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} الشّعراء:109، فهو عامل للّه، ومُبلِّغ رسالة ربّه، بيد أنّ قومه لم يستجيبوا له، ووصفوا دعوته بالضّلال، فقالوا: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الأعراف:60، ليس هذا فحسب، بل أصرّوا على كفرهم وشركهم {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وُدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرا} نوح:23.
وقد مكث نوح في دعوة قومه ما يقرب الألف سنة، بيد أنّ قومه لم يستجيبوا لنِدائه، ولم يلبّوا دعوته، حتّى أخبره سبحانه {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُون} هود:36. ولمّا لم تنفع معهم أساليب الدّعوة كافة، أغرقهم اللّه سبحانه، وجعلهم عِبرة لمَن يعتبر، كما قال تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} الأنبياء:77.